حسين بن قاسم القطيش
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى وآله وأصحابه ومن وآلاه. أما بعد:
نص الحديث:
عن هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قال: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَاةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ)(بوجهه) فَقَالَ: "بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً (له)(فَأَعْيَا)[أَيْ تَعِبَ([1])] إِذْ رَكِبَهَا فَضَرَبَهَا. وفي رواية:(فأراد أن يركبها)(أقبلت عليه) (فكلمته) فَقَالَتْ: إِنِّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا إِنَّمَا خُلِقْنا لِلْحَرْثِ. وفي رواية(لحراثة الأرض). وآخرى(ليحرث علينا). فَقَالَ النَّاسُ (من حوله): سُبْحَانَ اللَّهِ (تَعَجُّبًا وَفَزَعًا) أَبَقَرَةٌ تَكَلَّمُ!! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَإِنِّي أُومِنُ بِهِذا أنا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا هُمَا ثَمَّ (فقال الناس : آمنا بما آمن به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)". (صحيح البخاري – كتاب أحاديث الأنبياء- باب استعمال البقرة للحرث، (ج 11 / ص 290)، و صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه- برقم (2388) (4/ 1857) "بدون لفظة وما هما ثم".(ومسند أحمد - (ج 15 / ص 88) ، والسنن الكبرى للنسائي - (ج 5 / ص 38)).
شرح الحديث:
يقول الحافظ في الفتح : قَوْله : (بَيْنَا رَجُل يَسُوق بَقَرَة) لَمْ أَقِف عَلَى اِسْمه.
وقَوْله : (إِذْ رَكِبَهَا فَضَرَبَهَا فَقَالَتْ إِنَّا لَمْ نُخْلَق لِهَذَا).
اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الدَّوَابّ لَا تُسْتَعْمَل إِلَّا فِيمَا جَرَتْ الْعَادَة بِاسْتِعْمَالِهَا فِيهِ ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون قَوْلهَا إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى مُعْظَم مَا خُلِقَتْ لَهُ ، وَلَمْ تُرِدْ الْحَصْر فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ غَيْر مُرَاد اِتِّفَاقًا ، لِأَنَّ مِنْ أَجْل مَا خُلِقَتْ لَهُ أَنَّهَا تُذْبَح وَتُؤْكَل بِالِاتِّفَاقِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْل اِبْن بَطَّال فِي ذَلِكَ فِي كِتَاب الْمُزَارَعَة .
قال الشيخ الشنقيطي -رحمه الله- في أضواء البيان: " ففي هذا النص الصريح نطق البقرة ونطق الذئب بكلام معقول من خصائص العقلاء على غير العادة ، مما استعجب له الناس وسبحوا الله إعظاماً لما سمعوا ، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم يدفع هذا الاستعجاب بإعلان إيمانه وتصديقه ، ويضم معه أبا بكر وعمر ، وإن كانا غائبين عن المجلس ، لعلمه منهما أنهما لا ينكران ما ثبت بالسند الصحيح لمجرد استبعاده عقلاً . (أضواء البيان - (ج 8 / ص 173).
وقال ابن مفلح: "أَيْ أَنَّهُ مُعْظَمُ النَّفْعِ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ مَنْعُ غَيْرِهِ". (الفروع لابن مفلح - (ج 10 / ص 382).
قال الإمام الذهبي في كتاب الكبائر: "فهذه بقرة أنطقها الله في الدنيا تدافع عن نفسها بأنها لا تؤذى ولا تستعمل في غير ما خلقت له فمن كلفها غير طاقتها أو ضربها بغير حق فيوم القيامة تقتص منه بقدر ضربه وتعذيبه". (الكبائر - (ج 1 / ص 80).
وقوله: (سُبْحَانَ اللَّهِ تَعَجُّبًا وَفَزَعًا أَبَقَرَةٌ تَكَلَّمُ). قال الإمام القرطبي -رحمه الله –في تفسيره: " فدل هذا الحديث على أن البقر لا يحمل عليها ولا تركب، وإنما هي للحرث وللأكل والنسل . (تفسير القرطبي - (ج 10 / ص 72)).
قال صاحب كتاب الفتوحات المكية: " وذلك إن الروح الأمين أخبره فلو عاينها رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلم- لما قال آمنت فهذه بقرة من أصناف الحيوان قد علمت ما خلقت له والإنس والجن خلقوا ليعبدوا اللّه وما علموا ذلك إلا بتعريف اللّه على لسان الرسول وهو في فطرتهم ولكن ما كشف لهم عماهم عليه".
قال القرطبي : وفي هذا الحديث ما يرد على كفرة الأطباء والزنادقة الملحدين ، وأن الكلام ليس مرتبطا بالهيبة والبله ، وإنما الباري جلت قدرته يخلقه متى شاء في أي شيء شاء من جماد أو حيوان على ما قدره الخالق الرحمن ، فقد كان الحجر والشجر يسلمان عليه -صلى الله عليه وسلم- تسليم من نطق وتكلم ، ثبت ذلك في غير ما حديث ، وهو قول أهل أصول الدين في القديم والحديث .
وثبت باتفاق حديث البقرة والذئب وأنهما تكلما على ما أخبر عنهما صلى الله عليه وسلم في الصحيحين ، قاله ابن دحية: فهذه أخبار عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلها أمارات للساعة ، وإن كانت أمورا خارقة للعادة جارية على غير المألوف إلا أنه يجب الإيمان بها وتصديقها لثبوتها عنه -صلى الله عليه وسلم- . (أشراط الساعة - (ج 1 / ص 85)).
وقَوْله : (فَإِنِّي أُؤْمِن بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْر وَعُمَر)
هُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَخْبَرَهُمَا بِذَلِكَ فَصَدَّقَاهُ ، أَوْ أَطْلَقَ ذَلِكَ لِمَا اِطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُمَا يُصَدِّقَانِ بِذَلِكَ إِذَا سَمِعَاهُ وَلَا يَتَرَدَّدَانِ فِيهِ. فتح الباري.
قال الإمام النووي على شرح مسلم: قَالَ الْعُلَمَاء : "إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ ثِقَة بِهِمَا لِعِلْمِهِ بِصِدْقِ إِيمَانهمَا ، وَقُوَّة يَقِينهمَا ، وَكَمَال مَعْرِفَتهمَا لِعَظِيمِ سُلْطَان اللَّه وَكَمَال قُدْرَته. فَفِيهِ فَضِيلَة ظَاهِرَة لِأَبِي بَكْر وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا . وَفِيهِ جَوَاز كَرَامَات الْأَوْلِيَاء وَخَرْق الْعَوَائِد ، وَهُوَ مَذْهَب أَهْل الْحَقّ".(شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 131).
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْإِخْبَارُ مِنْ الْبَقَرَةِ الَّتِي أَنْطَقَهَا اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بِمَا أَنْطَقَهَا بِهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ مِنْهَا مِمَّا يُؤْمِنُ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ وَكَانَ الَّذِي نَطَقَتْ بِهِ حَقًّا إذْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صَدَّقَ وَآمَنَ بِهِ وَأَخْبَرَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُؤْمِنَانِ بِهِ. (مشكل الآثار - (ج 4 / ص 332)).
ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ:وُضِعَ عُمَرُ عَلَى سَرِيرِهِ فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ يَدْعُونَ وَيُصَلُّونَ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ وَأَنَا فِيهِمْ فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا رَجُلٌ آخِذٌ مَنْكِبِي فَإِذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَتَرَحَّمَ عَلَى عُمَرَ. وَقَالَ: مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ وَحَسِبْتُ إِنِّي كُنْتُ كَثِيرًا أَسْمَعُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ ذَهَبْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. (صحيح البخاري - (ج 12 / ص 18)).
وعن أبي أمامة قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « رأيتني أدخلت الجنة ، فجزت من أحد أبواب الثمانية، فأتيت بكفة ميزان ، فوضعت فيها وجيء بأمتي فوضعت في الكفة الأخرى ، فرجحت بأمتي ، وجيء بأبي بكر فوضع في كفة ، ثم جيء بأمتي فوضعت في الكفة الأخرى ، فرجح بأمتي ، ثم رفع أبو بكر، ثم جيء بعمر فوضع في كفة الميزان ، ثم جيء بأمتي فوضعت في الكفة الأخرى، فرجح بها ، ورفع الميزان ، إلى السماء وأنا أنظر». (مسند أحمد - (ج 45 / ص 198)(الشريعة للآجري - (ج 3 / ص 464)).
وقَوْله : ( وَمَا هُمَا ثَمَّ )
بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَة أَيْ لَيْسَا حَاضِرَيْنِ ، وَهُوَ مِنْ كَلَام الرَّاوِي ، وَلَمْ يَقَع ذَلِكَ فِي رِوَايَة الزُّهْرِيّ .
وقيل: أَيْ عِنْدَ حِكَايَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَلِكَ .
فوائد من القصة:
* فِي هَذَا الْحَدِيث حُجَّة عَلَى مَنْ مَنَعَ أَكْل الْخَيْل مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِهِ- تَعَالَى-: ( لِتَرْكَبُوهَا) فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ دَالًّا عَلَى مَنْع أَكْلهَا لَدَلَّ هَذَا الْخَبَر عَلَى مَنْع أَكْل الْبَقَر، لِقَوْلِهِ فِي هَذَا الْحَدِيث: " إِنَّمَا خُلِقْت لِلْحَرْثِ ", وَقَدْ اِتَّفَقُوا عَلَى جَوَاز أَكْلهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْعُمُومِ الْمُسْتَفَاد مِنْ جِهَة الِامْتِنَان فِي قَوْله ( لِتَرْكَبُوهَا ) وَالْمُسْتَفَاد مِنْ صِيغَة إِنَّمَا فِي قَوْله : " إِنَّمَا خُلِقْت لِلْحَرْثِ " عُمُوم مَخْصُوص .(فتح الباري لابن حجر - (ج 7 / ص 173). قَالَ الْحَافِظُ اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الدَّوَابَّ لَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِيمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِاسْتِعْمَالِهَا فِيهِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهَا إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى مُعْظَمِ مَا خُلِقَتْ لَهُ وَلَمْ تُرِدْ الْحَصْرَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ اِتِّفَاقًا لِأَنَّ مِنْ أَجْلِ مَا خُلِقَتْ لَهُ أَنَّهَا تُذْبَحُ وَتُؤْكَلُ بِالِاتِّفَاقِ.
* استخدام الحيوانات لما خلقت له، وأن استخدامها في غير ما خلقت له أمر مخالف للفطرة. يقول الشيخ ناصر الحمد: فمن هذه الدواب والحيوانات – البقرة – روى البخاري في صحيحه: ((بينما رجل يسوق بقرة إذ ركبها فضربها، فقالت: إنا لم نخلق لهذا إنما خلقنا للحرث، فقال الناس: سبحان الله بقرة تتكلم، فقال عليه الصلاة والسلام: فأني أؤمن بهذا أنا وأبو بكر وعمر)) فالبقرة تكلمت بأمر الله -عز وجل-، إلى هذا الرجل لتفهمه، سوء استخدامه لها وأن هذا يتنافى مع العبودية لله، وأنها لا تضرب بدون مبرر، وأنها إنما خلقت للحرث ونحوه، وأنها تؤدي العبودية التي أمرت بها.
* وهنا فائدة أرى أن أقف عندها، وهي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر أنه يؤمن
بذلك يعني ماذا؟ أن البقرة تكلمت, كلمت هذا الرجل الذي حمل عليها زاده ومتاعه، يؤمن بذلك لأنه رسول يوحى إليه، ويعلم مثل هذه الأمور من خلال خبر الله له، ولكن بماذا حكم النبي -صلى الله عليه وسلم- على أبي بكر وعمر بإيمانهما بهذه الحادثة، وهما لم يشاهداها, وفي رواية أخرى : (لم يكونا موجودين حينما تحدث النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا الحدث)؟ هنا وقف أهل العلم وقفة وقالوا: بأنه يجب طالما أنه ثبت لدينا صدق النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أن نسلم له في كل ما يقول حتى ولو استبعدت عقولنا ذلك، لماذا؟ لأنه طالما أنه صادق وثبت لديك ذلك فيجب عليك أن تسلم وأن تصدق لهذا الصادق، طالما أنه رسول وآمنت بذلك وصدقت بأنه صادق فيجب عليك أن تصدق بهذا الصادق ولهذا النبي-عليه الصلاة والسلام-حكم على أبي بكر وعمر بالإيمان بهذه الحادثة لعلمه أن أبا بكر وعمر-رضي الله تعالى عنهما-سيصدقان بها إذا علما أن النبي-صلى الله عليه وآله وسلم- صدق بهذه الحادثة فيكون تصديقهما قائماً على من؟ على تصديق النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-. [المرجع موقع الأكاديمية الإسلامية المفتوحة شرح سورة الحج].
*- يجب على المسلم أن يُصَدِّق بالأخبار التي جاء القرآن بها أو صح بها السند إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مهما كان الخبر مُسْتَغْرَباً يستوي في ذلك الحديث المتواتر والآحاد. لذا يجب علينا تصديقه -صلى الله عليه وسلم- في كل ما أخبر به ، ومن رد شيئا مما أخبر به -عليه الصلاة والسلام- وكذبه فيه فهو كافر، سواء كان رده اتباعا للهوى ، أو لشريعة منسوخة ، أو لفلسفة موروثة ، أو لعلم وضعي ، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: « والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ، يهودي ولا نصراني ، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به ، إلا كان من أصحاب النار»(صحيح مسلم) فكل ما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أخبر بوقوعه فالإيمان به واجب على كل مسلم ، وذلك من تحقيق الشهادة بأنه رسول الله ، وقد قال الله تعالى : {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}.[سورة النجم3-4] وكل شيء أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سيكون بعده ، فوقع الأمر فيه طبق ما أخبر به -صلى الله عليه وسلم- ، فهو من معجزاته وأعلام نبوته -عليه الصلاة والسلام .-[أشراط الساعة - (ج 1 / ص 32)].
*- الدليل على وجوب الأخذ بحديث الآحاد مثله مثل المتواتر هو إرسال الله تعالى لنبي واحد فقط لتبليغ دينه عن مَلَكٍ واحدٍ[جبريل]عن الله. لأنه إذا ثبت الحديث وجب الإيمان به وتصديق ما أخبر به الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- ولا يجوز لنا رد قوله لكونه حديث آحاد ؛ لأن هذه حجة واهية ؛ لأن حديث الآحاد إذا صح وجب تصديق ما فيه ، وإذا قلنا إن حديث الآحاد ليس بحجة ، فإننا نرد كثيرا من أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، ويكون ما قاله -عليه الصلاة والسلام- عبثا لا معنى له. [أشراط الساعة - (ج 1 / ص 156)].
وقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية عن حكم من ينكر عذاب القبر بحجة أن الأحاديث الواردة في عذاب القبر هي أحاديث آحاد فأجابة اللجنة بالآتي: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه.. وبعد: إذا ثبت حديث الآحاد عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان حجة فيما دل عليه اعتقادا وعملا بإجماع أهل السنة، ومن أنكر الاحتجاج بأحاديث الآحاد بعد إقامة الحجة عليه فهو كافر. [فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - (ج 6 / ص 450)].
*في هذه القصة كرامة لأبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-. وتزكيته- - صلى الله عليه وسلم- لهما بالإيمان لما ذكر مرة بقرة تتكلم، فتعجب الناس فقال: آمنت بذلك أنا وأبو بكر وعمر . وكذلك من فضائل أبو بكر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصحبه دائما لم يتخلف عن صحبته. ومن فضائله أنه صحبه لسفر الهجرة من مكة إلى المدينة منفردين متعرضين للأخطار، ولكن الله تعالى حماهما من وقت خروجهما حتى وصلا إلى المدينة لا شك أن ذلك كله دليل على فضله -رضي الله عنه- وله الفضائل الكثيرة. وكذلك عمر -رضي الله عنه- فقد كان يكثر النبي - صلى الله عليه وسلم- من صحبته فقد قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- :إِنِّي كُنْتُ كَثِيرًا أَسْمَعُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ ذَهَبْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ". وهنا رد على من قال بماذا حكم النبي -صلى الله عليه وسلم- على أبي بكر وعمر بإيمانهما بهذه الحادثة، وهما لم يشاهداها ؟ الجواب : هنا وقف أهل العلم وقفة وقالوا: بأنه يجب طالما أنه ثبت لدينا صدق النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أن نسلم له في كل ما يقول حتى ولو استبعدت عقولنا ذلك، لأنه طالما أنه صادق وثبت لديك ذلك فيجب عليك أن تسلم وأن تصدق ولهذا النبي -عليه الصلاة والسلام- حكم على أبي بكر وعمر بالإيمان بهذه الحادثة لعلمه أن أبا بكر وعمر -رضي الله تعالى عنهما- سيصدقان بها إذا علما أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- صدق بهذه الحادثة فيكون تصديقهما قائماً على تصديق النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-.
*يقين أبي بكر وعمر فيما يأتي عن النبي صلى الله عليه وسلم:
وإن كان بعض المؤمنين بمجرد أن يسمع الخبر لَكأنه رأى بعينه، ونذكر من ذلك ما جاء عند ابن كثير في البداية أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم قال: ( إن رجلاً كان فيمن قبلكم ركب بقرة فضربها فقالت: يا هذا! لم أخلق لذلك، فقال الناس: واعجبا! بقرة تتكلم؟! فقال صلى الله عليه وسلم: نعم. وأنا أؤمن بذلك ومعي عليه أبو بكر و عمر - أبو بكر و عمر ليسا حاضرَين-، وما هما ثمة، ورجل كانت له غنم، فجاء ذئب وخطف شاةً فأدركه وخلصها منه، فالتفت إليه الذئب وقال: أنت خلصتها مني، من لها حينما لا يكون لها راعٍ غيري! قالوا: سبحان الله! ذئب يتكلم؟! قال: نعم. وأنا أؤمن بذلك ومعي أبو بكر و عمر ، وما هما ثمة ) وهنا يتجلى اليقين بمجرد سماعِ الخبرِ.
و الصديق رضي الله تعالى عنه لما أصبح النبي- صلى الله عليه وسلم- يخبر بأمر الإسراء والمعراج وقام أهل مكة يصفقون ويصفرون وذهبوا سراعاً إلى أبي بكر وقالوا: (اسمع ماذا يقول صاحبك! قال: ما يقول؟ قالوا: يقول: إنه ذهب البارحة وأتى إلى بيت المقدس، وأسري به إلى السماوات، ثم نزل إلى الأرض وجاء في ليلة، ونحن نضرب أكباد الإبل شهراً ذهاباً وشهراً إياباً.
قال: أقال ذلك؟ قالوا: نعم.
قال: لَإن قاله فهو صادق.
قالوا: كيف تصدقه على مثل ذلك.
قال: أنا أصدقه على ما هو أبعد من هذا، أصدقه على خبر السماء، فكيف لا أصدقه على بيت المقدس؟! إذاً: بعض الناس يكون اليقين والإيمان عنده بمجرد سماع الخبر ولا يعتريه أدنى شك. المرجع : [شرح الأربعين النووية : الشيخ : عطيه بن محمد بن سالم].
*وَفِي الْحَدِيث جَوَاز التَّعَجُّب مِنْ خَوَارِق الْعَادَات ، وَتَفَاوُت النَّاس فِي الْمَعَارِف [فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 461)].
* فيه علم من أعلام النبوة. فقد جاءت دلائل كثيرة تشهد على نبوته عليه الصلاة والسلام، فمن ذلك مثلاً كلام الذئب للراعي، وسلام الحجر فقد قال- عليه الصلاة والسلام- : (إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي)، وحنين الجذع، وتسبيح الحصى، ودموع الجمل، وغيرها من الدلائل والمعجزات التي تدل على صدق نبوته - صلى الله عليه وسلم- .
*أن البقر إنما خلقت للحراثة والانتفاع بها دون أن تركب، كما أنطقها الله -عز وجل- ولم يمنع ذلك من أكل لحومها لا في بني إسرائيل ولا في الإسلام, قلت البقر خلقت للأكل بالنص كما خلقت هذه الثلاثة للركوب بالنص،أي:(الخيل, والحمير, والبغال) والبقر لم تخلق للركوب, فلذلك قالت لراكبها لم أخلق لهذا وقولها: خلقت للحراثة ليس بحصر فيها, ولما كانت فيها منفعتان الأكل والحراثة ذكرت منفعة الحراثة لكونها أبعد في الذهن من منفعة الأكل, ولأن الأكل كان مقررا عند الراكب بخلاف الحراثة بل ربما كان يظن أنها غير متصورة عنده فنبهته عليها دون الأكل.
فوائد تربوية:
- معرفة الحكمة التي خلقت من أجلها الأشياء، فخلقت البقرة للحرث، والإنسان للعبادة..
- من الخطأ أن يسخر كل مخلوق لغير ما خلق له، ..
- أن الكون يسير على سنن إلاهية محكمة، لا تتغير هذه السنن ولا تتبدل إلا إذا شاء الله سبحانه، والدليل على ذلك استناكر البقرة؟ ثانيا: الأصل في المخلوقات أنها لا تككلم (بقرة تتكلم) ولكن معجزة لنبينا صلى الله عليه وسلم تكلمت...
- معرفة المربي حقيقة أتباعه على وجه الخصوص، أنا وأبو بكر وعمر.
- تفضيل المربي لبعض أتباعه نظرا لما يتميزون به من صفات حميدة قد لا توجد عند غيرهم.
- إبراز المربي بعض الصفات الحميدة إما لفضلهم، أو للاقتداء بهم، أو لوجودها فيهم أكثر من غيرهم.
---------------------------------------
[1] - فتح الباري لابن حجر - (ج 8 / ص 260).