فى يوم من الايام ، دعانا والدى المسمى السى
اسماعيل التاجر بالقيسارية الى مجلسه أنا
واخوتى فؤاد وعزيز وعائشة ، وكانت والدتنا
السيد مريم حاضرة معه . استوى مجلسنا
فقال لنا :
- تعرفون يا ابنائى انا الحج ركن من اركان
الاسلام .
فرددت ، انا احمد ، حتى اسبق اخوتى فى
الجواب :
- نعرف ذلك يا والدى .
وبادر اخى الاكبر فؤاد فقال :
- هو الركن الخامس من أركان
الاسلام ، بعد شهادة ان لا اله الا الله ، محمد
رسول الله ، والصلاة والصوم والزكاة .
وقال اخى الاصغر عزيز :
- وهو واجب على من استطاع اليه سبيلا .
قالت اختنا عائشة :
- لكن كل المسلمين يشتاقون الى زيارة
قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ، واداء
الشعائر .
نظر الينا الوالد السى اسماعيل وهو يبتسم ،
وعلامات الرضا بادية على محياه ، ودينار
الصلاة من اثر السجود الى الخالق سبحانه
وتعالى باد على جبينه ، ثم قال لنا بصوت
واثق شديد الهدوء :
-(( بارك الله فيكم يا ابنائى ، انتم على علم
بأمور دينكم ، وانه كما قال ولدى عزيز واجب
على من استطاع اليه سبيلا ، وانا توفرت لى
الاستطاعة وعزمت ان شاء الله على ان اؤدى
فريضة الحج . ولكى اذهب مطمئنا فقد وفرت
لكم كل ما تحتاجون اليه فى البيت ، باتفاق
مع والدتكم ، ولو كنا قد وجدنا ما يبقى معكم
لكن قد اخذتها معى لاداء مناسك الحج ،
لكنكم صغار ، وتحتاجون الى من يرعاكم .
انا اعرف ان شوق زوجتى العزيزة مريم الى
زيارة المقام الشريف لا يقل عن شوقى ، لكن
رعايتكم واجبة ، وكل ما اطلبه منكم يا ابنائى ،
احمد وعزيز وفؤاد وعائشة ، فى غيابى ، هو ان
تحرصوا على طاعة والدتكم ، وعلى النظام فى
البيت ، وان تجدوا فى دراستكم ".
اذهلتنا المفاجأة ، فانعقدت السنتنا . قال له
أخى فؤاد :
- حج مبرور يا والدى .
وقلنا له :
- حج مبرور ان شاء الله .
اخبرنا بأنه قد قام بكل الاستعدادات ، وانه
سوف يتوجه الى البقاع المقدسة بعد ثلاثة
أيام .
تقدم نحوه اخونا الاكبر وقبل يده ،
ففعلنا مثله انا وباقى اخوتى ، وانسحبنا من
مجلسه .
بعد ثلاثة ايام جاء يوم السفر الموعود ،
فرافقنا والدى الى المطار ، وكانت هى المرة
الاولى التى نرى فيها المطار انا واخوتى .
ردهة كبيرة يتحرك فيها مسافرون كثيرون
الى كل بقاع العالم ، ولوحات الكترونية تشير
الى مواعيد الرحلات ، ومنصات لاستقبال
المسافرين وامتعتهم . سلم والدنا وثائقه
وامتعته ثم اقبل على الدخول الى معبر للولوج
الى الطائة . عانقنا وعانقناه . احسسنا بلوعة
الفراق . اوصانا ان نفعل خيرتا بأنفسنا فى
غيابه ، واوصى والدتنا السيدة مريم بنا . مشى
خطوات نحو المعبر ثم التفت نحونا . شيعناه
بابتسامتنا ودعائنا له بأن يعود بالسلامة .
ذهبنا ومعنا والدتنا الى شرفة تطل على
أرضية المطار ، ولما صعد والدنا سلم الطائرة ،
التفت نحونا ولوح لنا بيده ، فأخذنا ندعو له
بالحج المبرور والعوده الميمونة . سرعان
ما تحركت الطائرة فى اتجاه ممر الطيران ،
فتبعناها بنظراتنا ، حتى ارتفعت فى السماء ،
وبدت وهى تصغر حتى صارت مثل نقطة فى
السماء .
عدنا الى البيت ، فأحسسنما بفراغ
كبير كان يملؤه والدنا . بدت لنا
الدار موحشة بدونه .
مضت الايام ، واخذنا نعيش معه كل اللحظات
التى يعيشها وهو فى الحج ، نتابع المناسك
التى يقوم بها . نقول لبعضنا :
- هاهو يطوف ويلبى .
- هاهو يقبل الحجر الاسعد ، فى زيارته
للكعبة المشرفة .
- ها هو فى منى .
- ها هو على جبل عرفات .
- ها هو يرمى الجمرات .
كانت قلوبنا معه ، ووالدتنا السيدة مريم
القانتة العابدة تصلى لله وتردد مع ما كنا
نشاهده على شاشة التليفزيون من طواف
للحجاج حول الكعبة :
- لبيك اللهم لبيك ، أن الحمد ، والنعمة ، لك
والملك ، لا شريك لك .
عشنا تلك الايام وقلوبنا مفعمة بالايمان ،
ونفوسنا مطمئنة ، وكلما ازداد شوقنا الى
والدنا نعمل على طاعة والدتنا ونحافظ على
نظام البيت ، ونحرص على دراستنا ، كما
اوصانا الوالد ، حتى جاء يوم تلقت فيه والدتنا
السيدة مريم مكالمة هاتفية ، وكانت من الوالد
الحاج اسماعيل . تلقت الوالدة المكالمة بكثير
من المفاجأة ، فأخذت تسـأل الوالد عن صحته
وهو يطمئنها ويسأل عن احوالنا .اجتمعنا
حولها ننصت الى المكالمة ، فرغب الوالد فى
ان يسمع اصواتنا جميعا ، تحدثنا معه ، وكان
بصوته الهادئ ، المؤثر ، يسألنا عن احوالنا
ويطمئننا على صحته ، ويحثنا على مضاعفة
الجهود فى دراستنا .
مضت الايام سراعا ، لكنها مع ذلك بدت أياما
يـــــــــــــــــــــــــــــــــــتــــــــــــــــــــــــــــــــــــبــــــــــــــــــــــــــــــع
تشاااو
ــــــــــــــــــــــ